في عام 1916، سطّرت إميلي ميرفي اسمها في التاريخ عندما أصبحت أول امرأة تشغل منصب قاضية شرطة في الإمبراطورية البريطانية، وذلك في مدينة إدمونتون.
نشأة وسط عائلة بارزة
ولدت ميرفي عام 1868 في عائلة ثرية ومرموقة في أونتاريو.
كان لأسرتها باع طويل في مجالات الأعمال والسياسة والقانون، حيث ضمّت عائلتها قاضيين في المحكمة العليا.
نشأت ميرفي في بيئة ثقافية غنية بالمناقشات حول القانون والشؤون السياسية، مما أثر بشكل كبير على مسار حياتها.
التعليم والزواج
تلقّت ميرفي تعليمها في مدرسة بيشوب ستراشان، وهي مدرسة خاصة للبنات مشهورة في تورونتو.
خلال فترة وجودها في تورونتو، التقت بآرثر ميرفي، وهو طالب لاهوت تزوجته لاحقًا.
بعد زواجها، انتقلت ميرفي مع زوجها وابنتيها إلى نهر سوان في مانيتوبا عام 1903، حيث عمل زوجها كقس أنجليكاني ورجل أعمال.
وفي عام 1907، استقرت العائلة في إدمونتون، ألبرتا.
مؤلفة وناشطة رائدة
إميلي ميرفي لم تكن مجرد زوجة وأم، بل كانت كاتبة غزيرة الإنتاج وناشطة اجتماعية رائدة.
أعمالها الأدبية:
• كتابة مقالات ومراجعات الكتب: ساهمت ميرفي بانتظام بمقالات ومراجعات الكتب في المجلات والصحف الكندية، مما عكس آراءها وأفكارها حول قضايا اجتماعية مهمة.
• أربعة كتب مشهورة: نشرت ميرفي أربعة كتب ساخرة تحت الاسم المستعار “جاني كانوك” نالت شهرة واسعة، وهي:
- انطباعات جاني كانوك في الخارج (1901)
- جاني كانوك في الغرب (1910)
- المسارات المفتوحة (1912)
- بذور الصنوبر (1914)
نشاطها الاجتماعي:
• الدفاع عن حقوق المرأة والأطفال: لم تقتصر جهود ميرفي على الكتابة فقط، بل ساهمت بشكل فعال في العديد من الأنشطة الإصلاحية التي تهدف إلى تحسين حياة النساء والأطفال.
• حقوق ملكية المرأة: خلال رحلتها عبر ريف ألبرتا، واجهت ميرفي امرأة تخلى عنها زوجها تاركًا إياها بدون منزل أو مال.
أثار هذا الحادث غضب ميرفي، ودفعها إلى إطلاق حملة لحماية حقوق ملكية المرأة.
في عام 1915، نجحت ميرفي في إقناع الهيئة التشريعية في ألبرتا بإقرار قانون “حماية منزل المرأة المتزوجة”.
• قانون المهر: في عام 1917، تم استبدال قانون “حماية منزل المرأة المتزوجة” بقانون “المهر”.
ساهم هذا القانون في حماية حقوق الزوجة بمنحها حصة الثلث في ممتلكات زوجها.
• الدعوة لحق المرأة في التصويت: كان لميرفي دور بارز في حركة الاقتراع، حيث شغلت مناصب قيادية في العديد من المنظمات النسائية الداعمة لحق المرأة في التصويت.
إنجازات أخرى:
- العضو التنفيذي لنادي الصحافة النسائي الكندي (1913-20)
- عضو المجلس الوطني للمرأة في كندا
- أول رئيسة وطنية لمعاهد المرأة الموحدة في كندا
- المشاركة في أكثر من 20 منظمة مهنية وتطوعية أخرى
أول قاضية في الإمبراطورية البريطانية
في عام 1916، تم تعيين إميلي ميرفي قاضية شرطة في إدمونتون، ثم في جميع أنحاء ألبرتا.
كانت هذه الخطوة بمثابة إنجاز تاريخي، حيث أصبحت ميرفي أول امرأة تشغل منصب قاضية في الإمبراطورية البريطانية.
مواجهة التحديات:
واجهت ميرفي خلال مسيرتها المهنية العديد من القضايا الصعبة، بما في ذلك تلك المتعلقة بالدعارة والمجرمين الأحداث.
كما أصبحت معارضة صريحة للمخدرات، حيث ألقت باللوم عليها في الجريمة المنظمة وإيذاء العزل.
إرث دائم:
بفضل شجاعتها وتصميمها، ساهمت إميلي ميرفي في تمكين النساء وكسر الحواجز الاجتماعية في مجال القانون.
لا تزال تُذكر اليوم كرائدة في مجال القانون وحقوق المرأة، حيث ألهمت أجيالًا من النساء للكفاح من أجل العدالة والمساواة.
رواية “الشمعة السوداء” (1922): نظرة نقدية
“الشمعة السوداء” (1922)، من تأليف “القاضي ميرفي”، هي رواية مستوحاة من مقالات نُشرت في مجلة ماكلين، تصف بتفاصيل مروعة مخاطر تجارة المخدرات.
أثرت كشوفات ميرفي على سن قوانين لمكافحة المخدرات ظلت سارية المفعول حتى أواخر الستينيات.
مناقشة الهجرة والعرق:
في روايتها، تناقش ميرفي دور مجموعات عرقية محددة، مثل الصينيين والآشوريين واليونانيين و”الزنوج”، في تجارة المخدرات.
في ذلك الوقت، كان هناك قلق كبير بشأن الهجرة، وخاصة الهجرة الصينية، في غرب كندا.
من المحتمل أن تعكس تعليقات ميرفي هذه المخاوف وساهمت فيها.
مناقشات معاصرة:
يستمر العلماء في مناقشة معتقدات ميرفي حول العرق والهجرة. يدينها البعض بسبب آرائها العنصرية والإمبريالية.
في المقابل، يجادل آخرون بأن شاغلها الرئيسي كان تجارة المخدرات نفسها، وأن أي مناقشة لمعتقداتها يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أيضًا العنصرية النظامية (أو السائدة) في ذلك الوقت.
قضية الأشخاص: معركة إميلي ميرفي التاريخية من أجل المساواة
تُعرف إميلي ميرفي بشكل أساسي بدورها الرائد في النضال من أجل حق المرأة في التصويت، لكنها برزت أيضًا كشخصية رئيسية في قضية “الأشخاص” الشهيرة.
البداية:
في أول يوم لها كقاضية شرطة، واجهت ميرفي تحديًا غير متوقع. طعنها محامٍ، مدعيًا أنها كإمرأة لا تُعتبر “شخصًا” في نظر القانون البريطاني.
كان هذا الادعاء صحيحًا آنذاك، حيث لم يتم إدراج النساء في تعريف “الأشخاص” بموجب الدستور.
أثار هذا الحادث غضب ميرفي، ودفعها لشن حملة استمرت عقدًا من الزمان لإعلان النساء أشخاصًا قانونيين.
الاجتماع التاريخي:
في أغسطس 1927، جمعت ميرفي أربع نساء رائدات، هنريتا موير إدواردز، وإيرين بارلبي، ولويز ماكيني، ونيلي ماكلونغ، في منزلها في إدمونتون.
تعاونّت المجموعة لصياغة التماس دقيق لتقديمه إلى المحكمة العليا في كندا، بهدف تفسير معنى كلمة “الأشخاص” في قانون أمريكا الشمالية البريطانية (يُعرف الآن باسم قانون الدستور لعام 1867).
التوقيع على العريضة:
وقعت ميرفي والنساء الأربع على العريضة. وظهر توقيع إدواردز أولاً، مما جعلها الاسم الأول في القضية، التي عُرفت باسم “إدواردز ضد النائب العام لكندا”.
طرح الالتماس سؤالًا حاسمًا على المحكمة العليا: هل تشمل كلمة “الأشخاص” في المادة 24 من قانون أمريكا الشمالية البريطانية لعام 1867 النساء؟ إذا تمّ الإقرار بأنّ النساء أشخاصًا، فإنّ الدستور سيسمح بتعيين امرأة في مجلس الشيوخ.
رفض المحكمة العليا:
في 24 أبريل 1928، أصدرت المحكمة العليا حكمًا مخيّبًا للآمال، حيث رفضت الالتماس.
لم تستسلم النساء، اللواتي أطلق عليهن لقب “ألبرتا الخمسة” ثم “الخمسة المشهورون”، وحملن قضيتهن إلى أعلى محكمة استئناف في كندا آنذاك، وهي اللجنة القضائية لمجلس الملكة الخاص في إنجلترا.
انتصار تاريخي:
بعد مداولات مكثفة، أصدر مجلس الملكة الخاص في 18 أكتوبر 1929 قرارًا تاريخيًا ينقض حكم المحكمة العليا.
خلص المجلس إلى أنّ “كلمة “أشخاص” في القسم 24 تشمل النساء، وأنّ النساء مؤهلات للتعيين في مجلس الشيوخ الكندي وأصبحن أعضاء فيه”.
أكد اللورد سانكي، الذي أصدر الحكم نيابة عن مجلس الملكة الخاص، على أنّ “استبعاد النساء من جميع المناصب العامة هو من بقايا أيام أكثر همجية من أيامنا […] ولأولئك الذين يسألون لماذا يجب أن تشمل كلمة [الأشخاص] الإناث، فإنّ الإجابة الواضحة هي لماذا لا ينبغي”.
الإرث الدائم:
أدى قرار مجلس الملكة الخاص إلى فتح الباب أمام تعيين النساء في مجلس الشيوخ.
لكنّ ميرفي لم تتمكن من تحقيق حلمها الشخصي بتعيينها في مجلس الشيوخ، حيث توفيت بسبب مرض السكري عام 1933.
تُعدّ قضية “الأشخاص” علامة فارقة تاريخية في النضال من أجل المساواة بين الجنسين في كندا، وتُخلّد شجاعة وإصرار إميلي ميرفي وزميلاتها اللواتي ساهمن في تغيير مسار التاريخ.
تحسين النسل: إرث ميرفي المعقد
مثل العديد من الشخصيات التاريخية البارزة، كانت إميلي ميرفي امرأة ذات آراء معقدة وتناقضات.
دعم تحسين النسل:
واجهت ميرفي، شأنها شأن العديد من شخصيات عصرها، انتقادات بسبب دعمها لتحسين النسل، وهو علم زائف كان يهدف إلى “تحسين” السكان البشريين من خلال التحكم في التكاثر.
روج مؤيدو تحسين النسل لفكرة أن بعض الفئات من الناس، مثل “المعيبين عقلياً” أو “الضعفاء”، كانوا يشكلون تهديدًا للصحة العامة والنسيج الاجتماعي.
لذلك، دعوا إلى “تحسين النسل الإيجابي” (تشجيع تكاثر “اللائقين”) و “تحسين النسل السلبي” (منع تكاثر “غير اللائقين”).
آراء ميرفي:
دعمت ميرفي علنًا “تحسين النسل السلبي”، معتقدةً أنّه من واجبها حماية المجتمع من “غير اللائقين”.
جادلت بأنّ هذه الفئة من الناس “أصبحت أكثر اكتظاظًا بالسكان” وأنّهم يشكلون خطرًا على “القشرة العليا” من المجتمع.
التأثير كقاضية:
كقاضية شرطة، تمتع ميرفي بنفوذ كبير في ألبرتا. من المحتمل أن دعمها لتحسين النسل ساهم في إقرار قانون التعقيم الجنسي في ألبرتا عام 1928.
سمح هذا القانون بـ “تعقيم قسري” للأشخاص الذين اعتبروا “ناقصين عقلياً”. كان عدد غير متناسب من ضحايا هذا القانون من نساء السكان الأصليين.
لم يتم إلغاء القانون حتى عام 1972، بعد عقود من المعاناة للعديد من الأشخاص.
الاعتراف والتقييم:
على الرغم من الجوانب المثيرة للجدل في آرائها حول تحسين النسل، لا تزال إميلي ميرفي تُذكر كرائدة في مجال القانون وحقوق المرأة.
في عام 1958، تم تكريمها كشخصية ذات أهمية تاريخية وطنية من قبل حكومة كندا.
وفي عام 2009، تمّ الاعتراف بها وزميلاتها، “الخمسة المشهورون”، كأعضاء فخريين في مجلس الشيوخ.
وفاتها وإرثها
توفيت إميلي ميرفي عام 1933، تاركة وراءها إرثًا غنيًا من الإنجازات.
تُذكر ميرفي كرائدة في مجال القانون وحقوق المرأة، حيث ساهمت جهودها الدؤوبة في تمكين النساء وكسر الحواجز الاجتماعية في كندا والعالم.